Articles | Articles | Contents
Tributes | Files | Interactive | Lists | Special

This article appears in the 'About The Lebanese Arabic Music and The Musical Rahbani Theater' By Nizar Morrowa.



في عالم الموسيقى مع الأخوين رحباني

هذان المقالان القصيران - (العائدان للعام 1953) - لهما أهمية استثنائية، سواء بالنسبة لكتابة نزار مروة أم بالنسبة لموسيقى الأخوين رحباني: أولاً، من حيث أنهما يحملان البدايات الأولى في كتابة نزار في النقد الموسيقي، وثانياً، من حيث أنهما يقاربنان، كذلك، بدايات أعمال الرحبانية الغنائية، وظهور البذور الأولى في حركة التجديد الرحابنة للأغنية العربية، بالتزامن مع بدايات إنتاجهما - وإذا كانت بساطة التعبير، وربما سذاجة الكتابة، تطبع هذين المقالين، فهما، في الوقت نفسه، يستشرفان، بثقة، مستقبل الرحابنة وما يحملانه من حركة تطوير مستقبلية للأغنية وللموسيقى العربية _ (المحرر)

1

... هذان الفنانان يسترعيان الانتباه بتآليفهما المبتكرة وبروحهما المتجددة التي تدل على أن ليدهما شيئاً من المواهب ومن الثقافة الموسيقية في فترة غاضت فيها المواهب وضحلت الثقافة الفنية فيمن يؤلفون أهل الفن عندنا.

وهما الآن يتمتعان بقسط وافر من الإعجاب والتقدير الشعبيين.

والواقع أن هذا الإعجاب وهذا التقدير يوجبان عليهما أداء رسالة فنية توجيهية لا يملكان التملّص منها، وإلا شاركا في أسباب الانحطاط وهبوط المستوى الفني.

وأغلب إنتاج الأخوين رحباني في نطاق الموسيقى الراقصة والأغاني الخفيفة، ونحن نعرف أن هذا اللون من الإنتاج أقرب إلى زوايا النسيان وخبايا الإهمال... مهما كان عذباً جميلاً، لأنه لا يشبع إلا الرغبة في التراخي والكسل والإغفاء على أحلام بلهاء... ليس هذا فحسب، بل إن هذا اللون من الإنتاج يُرقص الجمهور المسكين على نيران فقره وجهله ويدسُّ الأفيون في طيات أعصابه المكدودة ولا يرفع شيئاً في مستوى الإحساس الفني الرفيع.

أليس مؤسفاً أن يضيّع الأخوان رحباني جهودهما في ترجمة أغاني راقصة، يستطيع كل واحد أن يسمعها في برامج الموسيقى الراقصة؟ أليس أجدر بهما أن يبذلا الجهور لخلق فن وطني شعبي يوقظ العواطف النبيلة ويشارك في رسالة الفن والأدب التي تخوض اليوم حرباً لا هوادة فيها ضد الاستعمار وقوى الشر؟

إن المجد الفني الصحيح لا يقوم على استغلال عواطف الجمهور والاستجابة لرغباته البدائية، إنما يقوم على جودة في الإنتاج الموسيقي ونبل ووطنية في الموضوع وهذا هو طريق الخلود الفني.

["الثقافة الوطنية" العدد الخامس في 16 كانون الثاني/ يناير 1953]

2

مع الأخوين رحباني المجددين اللذين يزرعان في أرض قاحلة مجدبة

لا نستطيع إلا الإعجاب بالفنانين الأخوين رحباني وهما يمسكان بيد الموسيقى العربية في خطواتها الأولى ويزرعان في أرض قاحلة مجدبة، على حدّ تعبيرهما، وبإمكاننا اعتبارهما في الطليعة من الموسيقيين الذين سيصنعون من الموسيقى العربية شيئاً مذكوراً.

ولمَ لا.؟! وهما اللذان خرجا عن كون الفنان أميناً لمتحف الآثار القديمة بل قطعة أثرية في ذلك المتحف... من الناحيتين: الفنية والشخصية.

لقد تطور معنى الموسيقى ومعنى الطرب، وأصبحت لهما مفاهيم جديدة لم تعد تتحملها طاقات الموسيقى القديمة، ولا بد للمجددّ من الخروج إلى النور، إلى الثقافة الفنية العميقة، الخروج من القواقع إلى الدنيا والناس والاحتكاك بمختلف التيارات الفكرية والفنية والأدبية.

إن الحياة الجديدة لا تغتفر للفنان عدم إطلاعه على جريدة يومية أو مجلة أسبوعية على الأقل. وإلاّ فكيف يمكن استغلال تراثنا النغمي الفني بحيث يمكن أن يعبّر عن المفاهيم الجديدة في الموسيقى والطرب؟؟

ولكن خروج الأخوين رحبان من كل تلك القواقع والآفاق الضيقة لم يكن سهلاً.

... وهنا تكمن حيوية الفنانين ومواهبهما الوافرة.

لقد كان عليهما - خلال تطورهما - أن يناضلا على أكثر من جبهة واحدة. كان عليهما أولاً أن ينهلا من ثقافة صعب أن ينهل منها أبناء هذه البلاد، فلا مدارس موسيقية ملائمة لأوضاعنا، ولا معلمون أكفاء. وكان عليهما أن يوجدا الآلات التي تستطيع النطق بما يؤلفانه، وما أفقر الجوقات الموسيقية وأهزلها وأشد جهل العازفين وغرورهم. وكان عليهما أيضاً أن يناضلا الأفكار الخاطئة المضحكة التي تشبّعت بها أذهان المستمعين، نتيجة لخيانة "الفنانين الكبار" رسالة الفن والجماهير وأنفسهم خيانة مفجعة. أصبحت الموسيقى عند هؤلاء "الكبار" سبيلاً من سبل الرزق والتجارة. وكان عليهما أن يناضلا صيحات النقاد المحنّطين الذي يحرّمون أشياء كثيرة كالهارموني والتوزيع الموسيقي، وخصوصاً بالنسبة للأرباع الصوتية، باعتبار أن تلك ليست من الموسيقى الشرقية المقدسة في شيء.

إننا نقدّر جهود الأخوين رحباني أحرّ تقدير وخصوصاً في ميدان الهارموني والتوزيع، وفي بقية الميادين الفنية الأخرى. وهما لا شكل يدركان تمام الإدراك الصعوبات التي تواجههما، هذه الصعوبات التي تحتاج إلى جهود جبارة للتغلب عليها. وهنا يجدر بنا أن نلفت نظريهما إلى نقطة صغيرة حبذا لو استمعا إليها.

نحن نعرف أن اتجاهات إنتاجهما كثيرة متعددة، تحوي كثيراً من "الشِّلل" والجماعات. بعضها جيد الصنع فيه عناصر من الجمال والفن الصحيح، وبعضها غير جيد - باعترافهما - ولذلك فهما لا يضعا اسميهما عليه. وما دام الإخوان العزيزان يجابهان من الصعوبات ما تنوء به الأكتاف، وما دام نشر المفاهيم الجديدة الصحيحة للموسيقى العربية جزءاً من المهمة الملقاة على عاتقهما، وما داما بحاجة إلى بذل الجهود المتعاظمة لكي يستطيع إنتاجهما أن يشق طريقه ويسمو أكثر من ذي قبل، فلمَ لا يستغنيان عن بعض تلك "الشِّلل" وبعض تلك الاتجاهات المتعددة في الإنتاج لكي يتفرّغا لذلك الإنتاج المجيد الذي يحمل اسمهما بكل فخر، والذي سيكون له أثر بعيد في تطوير الموسيقى العربية الحديثة ومفاهيمها لدى من يعاصرون من الفنانين ولدى من يستمع إلى إنتاجهم؟!.

ما دام الأخوان العزيزان لا يضعان اسمهما على بعض إنتاجهما، أفلا يمكننا اعتباره جهداً ضائعاً خليق بهما أن يستعينا به على أداء رسالة التجديد والتجويد في إنتاج جميل عظيم؟؟

ليس هذا كل شيء... فما زال لدينا ملاحظات سنبديها للأخوين العزيزين في المستقبل...

["الثقافة الوطنية" العدد 49، في 4 كانون الأول/ ديسمبر 1953]