Articles | Beiteddine 2000 | Fairuz in Concert | Specials | Contents
Tributes | Files | Interactive | Articles | Lists

 

 

2000/08/08

logo.jpg (5438 bytes)

 

 

culture




صوت خارج النقد

باشا عبيدو
صوت فيروز طاقة طبيعية. صوت حي، طبيعته كامنة في تلك الرحلة، التي قطعتها، منذ أخذت رتبة في الكورس في الإذاعة اللبنانية.
ثمة من يميل الى اغنيات الاخوين رحباني. ثمة من يحب أغنيات زياد الرحباني. الرابط بين الاغنيات صوت فيروز. صوت صباحي، صوت ندى كما تعودناه منذ الصغر. ذلك ان فيروز وجدت مساربها الينا، منذ طفولتنا. حيث وجدنا في الصوت سفرا دائما الى مطارح جديدة وغايات جديدة. انه صوت طبقي لي. صوت رافع من الاحياء الفقيرة الشعبية الى العالم. ببساطة السفر وعقده المستعصية، رحلنا في الصوت الى مساحات الاحلام. زياد الرحباني انتبه الى انها تغني ولا تؤدي، كما قال لي في اكثر من مناسبة. تطرب على حساب بعض معاني الكلمات. ثم انه وجد ان وضعها في دائرة اخرى، حداثية الروح والبناء، سيمنح المستمعين فرصة نادرة، لاكتشاف صوت لم يكتشف بعد الا في زاوية عريضة من زواياه. وإذ تمرد الرحباني الصغير على الرحابنة أول الامر، لم يلبث ان عاد الى مساحاتهم الموسيقية ، قارئا فيها أوقات التقاعد والعزلة والتطهير والغربة والتجديد. قصروا موازير الاغنية الدارجة في تلك الأيام البعيدة، ثم اندرجوا خلف الاشكال الكبرى في تاريخ الموسيقى العالمية. اخذوا من السوفياتي (الكازاتشوك) والكاونتري الاميركي والكلاسيك الفرنسي، وتراث الاغنية العربية المتمردة على الموروثات التركية، في طريقهم الى صوغ أغنيتهم الخاصة، التي أعيد إحياء طاقتها دائما في صوت فيروز.
أغنية الرحابنة عامة، شاملة، وجد فيها اللبنانيون مادة جاهزة للألفة والالتقاء والتقاتل والتناحر. رسمت لهم عوالم حب ومحبة على مقاعد في حدائق عامة متخيلة، كما رسمت لهم وطنا متخيلا. لم يكن هذا حتميا في المرحلة الاخيرة في عمر لبنان، حين انكسر العقد السياسي الاجتماعي بين اللبنانيين. وحين انفرط زواجهم. عندها انحكمت الاغنية الرحبانية الفيروزية بألف شرط اجتماعي واقتصادي وقانوني وعلائقي جديد. غير انها لم تنحكم بأي شرط ديني. تقاتل اللبنانيون، مع ذلك، بالاغنية الرحبانية، إذ استعملتها المنابر الإذاعية والتلفزيونية المختلفة، لكي تؤكد أحقية لغة هذا الطرف او ذاك بالاغنية الرحبانية. وجدها اليساريون لهم. كما وجدها اليمينيون في مفارقة لاهبة وسط لهيب الحرب الاهلية. الا ان صوت فيروز، بقي ملائكيا، طهرانيا، موحدا، أعاد الاغنية الى جاداتها واللبنانيين الى صوابهم، مؤكدا على نوع من التربية الاجتماعية السياسية التي التزم بها لبنان بكله في مرحلة من المراحل. وبالتحديد في المرحلة الشهابية.
انه صوت فيروز، الذي بقي خارج النقد على الرغم من كل شيء. صوت يقال فيه انه صوت فيروز، وينتهي الأمر، معطوفا على جملة مواقف وحدوية. كأن ترفض تعليق وسام دعيت الى تعليقه من رئيس الحكومة المؤقتة العماد ميشال عون، حين انهارت على عتبات قصره الجمهوري ثلة واسعة من المثقفين والفنانين، صوت خارج النقد، لم يحدث هذا مع احد، لم يحدث هذا لأحد، حبست دائما، ان في ذلك ما يضر الصوت ولا يفيده. حبست دائما، ان في ذلك، ما يضر فيروز ولا يفيدها. وقد صدق ما حبست، حين راحت تتصرف على هواها، مؤجلة إطلاق اغنية للسنباطي او رافضة أغنية لزياد الرحباني او مقيمة حضورها على ثنائية غير مفيدة في شريطها الاخير <<مش كاين هيك تكون>>، إذ وضعت أمام كل أغنية من اغنيات زياد الرحباني موشحا ضمن حضوره لدى السامعين منذ ازمنة.
لا توحي فيروز بالفصل القاطع بين المراحل. لعل هذا ليس مطلوبا. ولا توحي أغنياتها بالفصل القاطع. كما لا يوحي ما يجري، بالرغبة في لقاء صوت فيروز، حيث يجب لقاؤه. اي تحت ضوء النقد، لأن غياب النقد، يدفع الصوت للجريان قبل ان يجري ويدفع فيروز الى خشبة مسرح وهمية قبل ان تقف على خشبة واقع. معظم الكتابات عن حفل فيروز الاخير في بيت الدين، كتابات خارج الموضوع، خارج النقد. كتابات، ضن اصحابها بمشاهدة فيروز والاستماع الى صوتها، حيث وقعوا في أسر اسطورة الصوت في زمن تداعي الاساطير. لم يجدوا هنة واحدة في الصوت. انها لحظة لا طبيعية، ان تنهار أنظمة وايديولوجيات، ان تتعرض للنقد الشديد، للمساءلة، وان يبقى صوت فيروز خارج الملاحظة حتى. صوت بشري انساني، ينسب للشمس والقمر والآلهة القديمة ولا ينسب الى واقعه وقواه. اؤكد بأن فيروز لن تحب الأمر بدورها.
©2000 جريدة السفير