Articles | Beiteddine 2000 | Fairuz in Concert | Specials | Contents
Tributes | Files | Interactive | Articles | Lists

السبت 29 تموز 2000

محمد سويد

 

 

 

الـسـهـرات الـثـلاث لــ"شــاعــرة الـصـوت" فـي بــيـت الـديـن

"أقـول لـهـا إن غـايـة الـمـغـنّـي مـن الـغـنـاء هـي الـفـرح"

 

زيـاد الـرحـبـانـي:

فـيـروز أطـلقـت يـدي وسـتقـدّم جـديـداً

وأغـانـي لـم تخـتـرهـا من قـبـل

 

مساء الجمعة المقبل، تتلألأ أضواء بيت الدين بصوت السيدة فيروز في حفل يتضمن ثلاثين أغنية ومقطوعة موسيقية، أعدّه زياد الرحباني ويشرف على تقديمه في مشاركة خمسين عازفاً من لبنان وأرمينيا وفرنسا وهولندا وكورس محلي قوامه 14 منشداً.

"سهرة فيروز 2000 وزياد الرحباني" هي عنوان الخاتمة لمهرجانات بيت الدين وحدثها الفني الأبرز في دورتها الحالية. اساساً، كان مقرّراً إحياء هذه السهرة في الرابع والخامس من الشهر المقبل، وبعد نفاد جميع البطاقات، أعلنت ادارة المهرجانات اقامة حفلة ثالثة ليلة الثامن من آب. تبتعد السهرة الموعودة عن الحفلات السابقة الموسومة بتكرار معظم ريبرتوار الاغاني التي تعوّد الجمهور سماعها في الاعوام الاخيرة. هنا، يشارك زياد الرحباني في طريقة مباشرة في صوغ البرنامج واخراجه، وتبدي فيروز رغبة وتعاوناً في إعطاء برنامج سهرتها روحاً جديداً، حيث تقدّم للمرة الاولى اغاني قديمة لم يسبق ان اختارتها قبلاً من ريبرتوار الرحابنة، وبعضاً من ألحان عملها الجديد غير المنشور مع زياد. ورغم تكتم ادارة مهرجانات بيت الدين وعدم رغبة فيروز وزياد في إفشاء برنامج سهرتهما قبل حلول موعدها، الاّ أن البرنامج يحمل من الغنى ما يجعله وثيقة موسيقية ومرآة "شاعرة الصوت" في تجربتها الممتدة من الاخوين رحباني والمستمرة مع زياد الرحباني محلّقة في ألحانه الجديدة الى أسمى الاداء رقّة وصفاء وتجلياً. فجر الاحد المنصرم، بدت امارات التعب والارهاق على زياد الرحباني. فهو مخرج العرض المنتظر، وعلى كاهله تقع المتابعات واتخاذ القرارات الفنية والتنسيق على خطوط عدّة وبين العازفين والموسيقيين الموزعين بين بيروت وعواصم عدة من العالم. لم يشأ زياد الكلام. آثر الاستماع اولاً الى شريط يعطي فكرة عن مضمون البرنامج والاختيارات الغنائية المقرّرة لسهرة بيت الدين، ثم دارت آلة التسجيل في حضور الفنان محمود الزيباوي، ولم يكن تسجيل هذا الحوار متواصلاً، اذ استغرق الليل بطوله، وحين غالبنا النعاس، وجدنا أن الساعة بلغت السادسة صباحاً.

 

* يضم برنامج الحفلة أغاني ومقطوعات مختارة من ريبرتوار الاخوين رحباني واعمالك. كيف تمّ تنسيق هذا البرنامج؟

- فكّرت في مجموعات عدة من الاغاني بعدما طلبت مني فيروز وضع برنامج. من المعروف أن فيروز تختار ايضاً ما تحب هي أن تغنيه، مع فرقة موسيقية لها مواصفات التخت الشرقي. اساساً، تقرّر فيروز ان تؤدي هذه الاغنية او تلك، مثلما تقرّر استبدال تلك الاغنية بواحدة اخرى من دون ان توضح لماذا فعلت ذلك. حاولت ان أحزر وأخمّن ما هو الأنسب في اختيار الاغاني، ومنها أغان أعلم ان فيروز تحبها. انطلقت من ريبرتوارها الخاص، ريبرتوار الرحابنة، وقدمت لها تصوّري الاول للبرنامج. لم تقل "لا" للكثير من الاغاني التي اعتدنا على رفضها لها سابقاً. وحين سعيت الى معرفة سبب عدم رغبتها في قبول بعض الاغاني، استنتجت ان ثمة اغاني تعيدها الى ذكريات تسجيلها في الاستوديو.

* ذكريات من اي نوع؟

- إنها احوال لها علاقة بأعصابها المشدودة اثناء التسجيل. مع ذلك، هناك اغان سجّلتها في شكل طبيعي ورفضت تقديمها في البرنامج الجديد. لماذا؟ لا اعرف. بل عبثاً تستطيع ان تعرف لماذا تحب هذه الاغنية او لا تحب تلك.

* ما هي الاغنية التي يمكن ان ترفضها على سبيل المثال؟

- اغنية "قمرة يا قمرة لا تطلعي على الشجرة". عندما تذكر هذه الاغنية امامها، تشعر أنها تتعامل معها وكأن صرصوراً دخل بيتها. كذلك، عرضت عليها مراراً ان تغني "مينا الحبايب يا بيروت" وكان جوابها الرفض. طبعاً، هذا لا يعني انها تفضل "بحبك يا لبنان" على "مينا الحبايب يا بيروت". في تبرير رفضها، قالت لي ان الجو الذي كان سائداً في تسجيل هذه الاغنية ازعجها. في اختصار، لا يعود رفضها الى اسباب تقنية قد تتعلق بتطلب اغنية ما طبقة معينة في الصوت على المسرح. احياناً، يأتي رفضها مفاجئاً. فعندما اقترحت عليها ان تغني "يارا" في بيت الدين، كنت اعتقد انها تحبها كثيراً، الاّ أنها صدمتني بردها. قالت لي "شو بدك بها الغنية".

 

الرحابنة والموسيقى الكلاسيكية

* يحوي برنامج بيت الدين عناوين من اسطوانة "الى عاصي". هل ستعتمد في المسرح على التوزيع الموسيقي نفسه الذي استخدمته في الاسطوانة؟

- من المفترض ان تأتي الاغاني مطابقة اقرب ما يمكن للاسطوانة. بين الاسطوانة والحفلة المرتقبة، يوجد قاسم مشترك: كمية متشابهة تقريباً من الآلات. نحن في انتظار العمل مع خمسين عازفاً من لبنان وهولندا وفرنسا، فضلاً عن كورال مؤلف من اربعة عشر منشداً، وتبقى كثافة الحضور الموسيقي مركّزة في الفرقة الفيلهارمونية الآتية من ارمينيا. الحق انه لم يعد هناك اليوم منتجون يمكن ان يتحمّلوا اعباء هذا النوع من الحفلات. العمل مع خمسين عازفاً يعيد التذكير بالعصر الذهبي للاغنية الفرنسية. حشدنا الموسيقي هو أقرب شكلاً الى حفلات شارل أزنافور وجيلبر بيكو.

* كيف جرى العمل مع عازفين موزعين بين اربعة بلدان؟

- تمّ جزء كبير من العمل بالمراسلة. ما من موسيقي الاّ ووصله البرنامج على شكل كاسيت ونوتات. سجلت نحو 120 كاسيتاً وأرسلتها بحسب العازفين وآلاتهم بعد تقسيهم مجموعات. مثلاً، المجموعة اللبنانية تضم عازفي الآلات الوترية (عود، بزق، قانون). لدى هؤلاء كاسيتات واوراق النوتة الخاصة بعملهم، وهكذا الامر بالنسبة الى الآخرين. بعد وصول جميع العازفين الى لبنان، ستجرى سبعة تمارين، مدّة كل تمرين اربع ساعات. مع خمسين عازفاً يتحدثون بأربع لغات مختلفة، تبقى اوراق النوتة اللغة التي توحد هذا الجمع.

* كم عدد العازفين اللبنانيين؟

- .13

* قبل تسجيل هذا الحديث، قلت لي ان مهندسي الصوت في الغرب يصنّفون اغاني فيروز في فئة الـ "كلاسيكال بوب" (الموسيقى الكلاسيكية الشعبية).

- جاءت هذه التسمية على لسان مهندس صوت انكليزي. في الخارج، يعمل مهندسو الصوت طبقاً للاختصاص في نوع معين من الموسيقى. لموسيقى الروك مثلاً مهندس صوت لا يعمل الاّ في مجال الروك. في اولى مراسلاتي مع مهندس الصوت المذكور، شرحت له نوع الاغاني التي في حيازتنا ولم أجد المصطلح الملائم له في الانكليزية. في الفرنسية، يسمّى هذا النوع "موسيقى المنوعات" وهو قريب من الاغنية الخفيفة الاميركية التي نشرها في الخمسينات مات مونرو ونات كينغ كول وفرانك سيناترا. بناء على هذه المعطيات، أخبرني مهندس الصوت ان أغانينا تنتمي الى فئة الـ "كلاسيكال بوب".

* هل تعتبر هذه التسمية منصفة؟

- لا. بل مؤلمة لأن بعض الاغاني يستحق تسمية اخرى لا يمكن العثور عليها في المصطلحات المتداولة. لكن هذه التسمية لا تخلو ايضاً من الصحة، ذلك ان موسيقى الرحابنة، وباستثناء جزئها المتعلق بالتراث والفولكلور، هي اقرب ما تكون الى الموسيقى الكلاسيكية التي يبدو تأثيرها واضحاً في مقدمات المسرحيات وبعض التيمات والمداخل الموسيقية.

* ما هي الاغاني التي ينطبق عليها كلامك؟

- خذ مثلاً "دقيت طلّ الورد على الشبّاك"، او "فايق عليّ" او "يا حلو شو بخاف" او "بعدك بتذكر يا وطى الدوار". النوتة في هذه الالحان كلاسيكية جداً. اعتقد ان مصدر هذا التأثير راجع الى نشأتنا في البيت، حيث مُنعنا من سماع اي شيء غير الموسيقى الكلاسيكية.

 

"عندي ثقة فيك"

* لماذا لم يتم اعتماد البرنامج الجديد في مهرجانات بعلبك العام الماضي؟

- في بعلبك، كانت الفكرة مختلفة. آنذاك، ارتأت فيروز ومنصور والياس الرحباني استعادة المسرحيات القديمة التي اشتهرت بها مهرجانات بعلبك، واقتنع الثلاثة بأن مثل هذا العمل ضروري وينبغي تعريف الناس به لأن ثمة جيلاً جديداً لم يعش أيام عزّ مهرجانات بعلبك. طبعاً، أنا لم أحبذ هذه الفكرة إطلاقاً.

n يستند برنامج بيت الدين الى معادلة مختلفة  عن ريبرتوار فيروز في الحفلات السابقة. أنت تعمل مع فيروز منذ ثمانينات القرن الماضي. الا ترى ان المعادلة الجديدة تأخرت كثيراً في الظهور؟ ربما الافضل توجيه السؤال على النحو الآتي: كيف اقتنعت فيروز بالتغيير؟

- لا اعرف. حاولنا اقناعها مراراً واستلزمها الامر وقتاً طويلاً قبل ان تطلب مني وضع برنامج جديد. بحكم تجربتي الطويلة معها، تعوّدت رفضها لعناوين بعض الاغاني وحذفها من لائحة اقتراحاتي. من هنا، حاولت هذه المرة تجنّب ذكر العناوين التي رفضتها سابقاً، ومنها تحديداً "عندي ثقة فيك". لكن، وبعد اطلاعها على العناوين المقترحة في أحد الاجتماعات التحضيرية، سألتني فجأة لماذا لم أضع "عندي ثقة فيك" ضمن العناوين. عندها، ذكرتها انها لا تطيق افتتاحية هذه الاغنية ولا ترتاح الى ادائها على المسرح. فما كان منها الا أن اصرّت على اختيارها وقالت ان الاغنية ممكن اداؤها وما علينا الاّ أن نتمرّن. حتى الآن، لا اصدّق أنها تحب ان تغني "عندي ثقة فيك".

* ما هي الاغاني التي استبعدتها من هذا البرنامج؟

- هناك اغنية اعتبرها من أحلى ما لحّنه الرحابنة: "بحبك ما بعرف". رفضتها. لماذا؟ لا ادري.

* وضعت لفيروز خمس اسطوانات: "وحدن"، "معرفتي فيك"، "كيفك أنت"، "الى عاصي" و"مش كاين هيك تكون" (الاخيرة مشتركة مع أحمد محسن). الا ترى ان هذا العدد قليل جداً.

- توجد اسباب لها، من جهة، علاقة بالحرب، ومن جهة اخرى، بفيروز نفسها. ففيروز يقلقها ان تأخذ قراراً بالموافقة على قول بعض الاشياء او بالرفض، وهذا واضح في اعتراضها على كلمات بعض الاغاني. في وقت ما، قررت فعلاً أن تغني شيئاً جديداً ومختلفاً. لم أكن وحدي في الصورة. الحال أنها عاشت فترة من استدراج العروض، من فيلمون وهبي، الله يرحمه،

من رياض السنباطي، الله يرحمه، حاولت استعادة اشياء قديمة وقامت بنبش موشحات غير منشورة وجاء دور جوزف حرب في الكتابة. رغم ذلك كله، ظل السؤال الشاغل: ماذا يمكنها ان تغني جديداً يشبه ما تعوّد الناس سماعه؟ هذه النقطة كانت حساسة. أنا شخصياً، وضعت اغاني لم تكن مقررة لها واعجبت بها.

حكاية "ورقو الاصفر"

* مثل ماذا؟

- اذكر اغنية "زعلي طوّل". لكن لهذه الاغنية حكاية. اسمع. في يوم من الايام، رغبت في شراء سيارة كحلية مستعملة ثمنها 8 آلاف ليرة. كنت مفلساً وصودف ان ثمة مسلسلاً تلفزيونياً كان قيد الانتاج للاردن اسمه "ساعة وغنية". يقال إن عجائب الدنيا سبع وفي استطاعتك ان تقول إن هذا المسلسل كان عجائب الدنيا التسع. كان المسلسل في حاجة الى مئة وثلاثين اغنية ودفع مبلغ ألف ليرة عن اللحن الواحد. سألني عمي كم أغنية استطيع ان ألحن، ولما أجبته أنني اريد ان الحن ثماني، عاد وسألني لماذا ثمانية ألحان وليس عشرة. قلت له أريد أن اشتريها. فسأل مستغرباً "شو بدك تشتري؟". حينها، اعترفت: "السيارة"! المهم، وضعت الالحان واشتريت السيارة ولم أكن راضياً عن العمل. طلبت حذف اسمي من عناوين المسلسل. قبل بث المسلسل، وافقوا وعند بثّ المسلسل، وضعوا اسمي في قائمة المشاركين من دون ذكر الاغاني التي لحنتها. الواقع انني عدت واستمعت الى الاغاني واكتشفت ان بينها اغنية وجدتُ لحنها معقولاً وجيداً. كان اسمها "ورقو الاصفر شهر ايلول". الذي حصل هو ان فيروز أبدت اعجابها بالاغنية. أحبت كثيراً اللحن لكنها تحفظت عن الكلمات. اقترحت البحث عن كلمات اخرى. وبالفعل، عرضت اللحن على جوزف حرب وطلبت منه كتابة الكلمات الملائمة، فجاءت الكلمات الجديدة على هذا النحو: "زعلي طوّل أنا واياك". هذه الكلمات جعلت الاغنية اقرب روحاً الى اجواء الرحابنة، ولذا، أعجبت بها فيروز. الطريف في هذه الحادثة أن كلمات "ورقو الاصفر" انتقلت لاحقاً الى فيلمون وهبي الذي صنع لها لحناً آخر. هذا يعني ان الكلمات نفسها يمكن ان تعزف باكثر من لحن. فظيع.

أعود الى سؤالك واقول إن فيروز ارتاحت الى رحبانية "زعلي طوّل" وانطلق مشروع اسطوانة "معرفتي فيك". مع ذلك، كانت مترددة مثلاً حيال اغنية "معرفتي فيك". رأت ان كلماتها جميلة لكنها ليست اغنية ملائمة لها. بعد انتهائنا من تسجيل الشريط، طلبت مني عرضه على جوزف شاهين في "صوت الشرق". الى الرحابنة وفيروز، كان جوزف شاهين الطرف الثالث في انتاج اعمالهم، وحاولت معرفة استعداده لانتاج شريط "معرفتي فيك" وتصديره الى السوق. جاء جوزف الى مكتبي السابق في استوديو "باي باس" وكانت الحرب على أشدّها في بيروت. وضعت له الشريط واستمع اليه كاملاً من دون أن ينبس بكلمة. بعد انتهاء الشريط، نظر اليّ في صمت ثم قال فجأة: "هيدا شي لبرّه". فهمت هذه الجملة وكأنه قال لي "اطلع لبرّه"! طبعاً، هو اعرب عن اعجابه باغنيتين، "عودك رنّان" و"لبيروت"، لكنه اعتذر عن انتاجها. رأى أنها "ليست لشعبنا". بعد انسحابه، تعرّفنا الى احمد موسى ووافق على انتاج الاسطوانة وانزالها الى السوق بكامل عددها.

عذاب بلا حدود

* دعني أعود الى السؤال نفسه في شكل آخر: الا تعكس قلة انتاجك مع فيروز الكثير من العذاب؟

- لك ان تقول إنه عذاب بلا حدود. العمل وتواصله امران مهمان. الانسان في حاجة الى التعلم والتعلم يأتي من اكتشاف الاخطاء واكتشاف الاخطاء يأتي من التجربة.

* ألا يمكن العمل على صوت آخر غير فيروز في لبنان؟

- ليس صعباً ولكنه يتخذ مساراً مختلفاً. مع فيروز، هناك خيار، وهناك الـ "لا" منها وهي تجد دائماً من يقول لها ان هذه الاغنية ليست لك. خذ مثلاً اغنية "مش كاين هيك تكون". من الصعب الآن ان تأتي على ذكرها امامها او ان تقترح عليها اداءها في حفلة. رغم ان الاغنية صارت مسجلة بصوتها وتحمل اسمها، الاّ أنها ترفض ادخالها في ريبرتوار اي حفلة بسبب ردود الفعل التي سمعتها عن كلماتها.

ربع الصوت

* بمَ يختلف عملك مع فيروز عن عملها مع عاصي؟

- أحاول ان اطلب منها الشيء الذي لا تحبه كثيراً: أن تغني مثلما كانت تغني في بداياتها، اي أنني أطلب منها عدم استخدام ما نسميه "الصوت الكامل" والذي اعتادت عليه في الحفلات. كان أبي يحب استخدام ربع صوت فيروز، ويعني ذلك خروج الصوت شبه همسات في الغناء. هذا الامر يفرض الكثير من الصعوبة على المغني، فهو وبطبقة لا تستعمل من الصوت الا ربعه يحاول ان يصيب النوتات العالية، مما يستنفد منه كل قوته وطاقته. بخلاف تحليل العديد من الناس، أجد قوة فيروز في ربع صوتها حيث يرقى الغناء الى سحر الهمس. يمكن ملاحظة ذلك في اداء "أنا لحبيبي" في اسطوانة "الى عاصي". هي تعتقد ان الأنسب وقوفها على بعد أمتار من الميكروفون واعطاء المدى للصوت الكامل. هذا الاعتقاد تعزّز لديها وتفسير ذلك ان دخول فيروز الى الاستوديو لتسجيل الاغاني قلّ في الاعوام الاخيرة عن نسبة الحفلات التي أقامتها.

* تحدثت عن عذاب العمل مع فيروز. ما هي صورة العمل الجديد في بيت الدين؟

- أعطتني فيروز حرية التصرف. عهدت اليّ كل التفاصيل الصغيرة التي استحوذت عليها في الماضي. من الملابس الى الصور، وحتى الكورس. قلت لها ان اكون أنا المسؤول عن البرنامج يعني انني المسؤول عن كل شاردة، ولك ان تحاسبيني في النهاية عن عملي. وهذا ما يحصل الآن.

متعاونة اكثر

* هل تعني انها اصبحت اكثر تساهلاً؟

- لا. يمكن القول انها متعاونة اكثر من قبل. في الحفلات السابقة، كانت تصرّ على الموشحات والوطنيات وحتى البدويات. الحفلة بالنسبة اليها عبارة عن مجموعة مشاهد اعتادت عليها وتعوّدها الجمهور. كانت دائماً تريد شيئاً يشبه الاجواء المعروفة عن اعمالها. في عام ،1980 وبعد تقديم مسرحية "بترا"، قالت لي إنها تحب المسرح الغنائي وتحب ان تعمل معي اذا عثرتُ لها على فكرة تشبه العديد من مسرحياتها الغنائية. كنت معجباً بأوبريت مثل "صح النوم" او "هالة والملك"، غير أنني لا استطيع كتابة عمل من هذا النوع في بساطة. حاولت ان اشرح لها ذلك لكنها لم تصدّقني واعتبرت ان لديّ موقفاً سلبياً. الواقع هو عكس ذلك. فمن خصائص المسرح الرحباني ان حكايته كانت مغناة، وأعني هنا الحوار.

* بعيداً من هذه الخصائص، لا بد من التوقف قليلاً عند الموسيقى. ما هي في رأيك أوجه الاختلاف في التوزيع الموسيقي بينك وبين الرحابنة؟

- الفرق هو في العصر. بات مقبولاً في الزمن الراهن تعدّد الاصوات، او ما يسمى "البوليفوني". لقد عرف الرحابنة الموجات الموسيقية وتعاملوا معها في زمنهم. الشرقي في الاساس هو التوحيد، اي ان كل العناصر الموسيقية تتبع ما يقوله المطرب. بين أبي عاصي وعمي منصور، دار الصراع حول هذه المسألة. كان أبي يحذّر من تعدد الاصوات ويقول ان موسيقانا تحتاج الى وقت قبل ان تكون قادرة على تحمّل "البوليفوني". اما عمي فكان يميل الى تعدّد الاصوات وقد يعود ذلك الى تأثره الشديد بالموسيقى الكلاسيكية. في ذروة الصراع، وضع أبي لحن "البعلبكية" معتمداً "البوليفوني" وكانت غايته في ذلك ان يثبت قدرته على استخدام "البوليفوني" والتأكيد ان موقفه منها يعود الى اقتناعاته الخاصة. بالنسبة اليّ، آثرت "البوليفوني" ووجدت ان اضافة الاصوات وتعددها لا يؤثران على الطابع الشرقي. طبعاً، هناك اشخاص مثل سليم سحاب الذي يعتقد ان "البوليفوني" لا تجوز في الشرقي لأن الشرقي خلق ليكون صافياً. وقد يكون محقاً في رأيه. فحتى الغرب، يعيش حالياً ردة في اتجاه "المونوفوني". ذلك واضح في موسيقى "التكنو"، حيث يبقى اللحن معلّقاً على نغمة واحدة، هي النوتة الأم. في اي حال، الحديث عن الموسيقى صعب في مقابلة. دعنا نعود الى بيت الدين.

* أين تنسجم اكثر في العمل مع فيروز: في الاستوديو في حفلة حية؟

- لا يوجد فرق كبير، لكن فيروز تكون مشدودة في الحفلات الحية، وأنا أحاول ان اقول لها لا مبرر لذلك.

 

الكنار

* ماذا تقول لها بالضبط؟

- اذكّرها بأن المغني يصعد الى المسرح ويغنّي لأنه يريد ان يسعد بنفسه. مثل الكنار، لا يغرّد ما لم يكن منشرحاً. اقول لها عليك ان تخلقي مزاجاً لنفسك. لا تتعاملي مع الوضع وكأن امامك "قطوعاً"، ولا تنسي ان غاية المغني من الغناء هي الفرح.


Copyright © 2000 An-Nahar Newspaper s.a.l. All rights reserved.