Articles | Beiteddine 2000 | Fairuz in Concert | Specials | Contents
Tributes | Files | Interactive | Articles | Lists

 

 

2000/08/08

logo.jpg (5438 bytes)

 

 

culture




اقتلعوا سياج الزهور ونثروه على <<الست>>
مجانين فيروز ودولة الرحابنة الثانية

شمس ضحى
بفستان أحمر بلون المفاجأة، أطلت فيروز على خمسة آلاف شخص فاضوا عن مقاعد المسرح المفتوح لمهرجانات بيت الدين ومدرجاتها في حفلتين تكتملان بثالثة هذا المساء تختتم بها نشاطات المهرجان لهذا الصيف.
سرعان ما تبين ان الفستان لم يكن إلا تفصيلا ذكيا بدا انه يشير الى طلة جديدة لها في جو جديد سيطبع الحفلات الثلاث بحيوية فيروز وزياد الرحباني مصمم العمل بكامله: تصورا وتوزيعا وتلحينا.
ومع ان هذا الجو الجديد هو قديم في الواقع، قدم التعاون المتقطع بين فيروز وزياد، إلا ان جِدته نابعة من إعتماده لوحده في ريبرتوار الحفلات الثلاث دون خلط مع أجواء اخرى لم تكن تشوش عليه وان كانت تحد من اكتماله. هكذا استطاع قديم الرحابنة وببضع لمسات معقدة وبسيطة في آن، ان يدخل في سياق الجو الجديد ليكتمل بأغان من تلحين وتأليف زياد مما كنا قد سمعناه في اسطوانات موجودة في الأسواق، واخرى جديدة (كبيرة المزحة هاي تنذكر ما تنعاد صباح ومسا) كان الجمهور بطلها هذه المرة نظرا لتفاعله السريع معها، مما أدهش الفرقة نفسها..
في هذا السياق ايضا، بدت فيروز وقد قامت بوضع بعض اللمسات على طلتها التقليدية التي كانت قد اتجهت لتصبح أكثر صرامة في السنوات الاخيرة، وكأنها قد حزمت أمرها على خوض التجربة الى مداها الحقيقي بعد ان اطمأنت الى نجاح غالبية أغانيها وإقبال الجمهور عليها، خاصة الجيل الشاب منهم.
وان كانت <<الميلودي>> في الأغاني حسب ما يقول زياد هي لحن الكلام، او ما يحفظه الناس من موسيقى الاغنية، فان <<ميلودي>> حفلات بيت الدين الثلاث اي فكرتها الأساسية والهيكل الذي بنيت عليه عناصر السهرات، كانت مفهوم زياد للموسيقى الذي يشكل استمرارا لثورة الرحابنة الاولى، والتمرد في الوقت نفسه، على اعتماد <<الوقوف على أطلالها>> وتحويلها الى صنم مقدس، لصالح بث روح العصر فيها بواسطة التوزيع الجديد، دون التفريط بمكتسبات <<الثورة الأم>> التي أصبحت مدرسة في الموسيقى. مما جعل الأمر يبدو وكأنه إعلان عن قيام جمهورية الرحابنة الثانية...
ولو أردنا ان نختار لحظة من الحفلتين اللتين انتهتا بنوع من الهستيريا الجماعية الجديدة على أجواء مهرجان بيت الدين بشهادة المنظمين، لتمثل روح هذه <<الميلودي>> التي تحدثنا عنها، فانها ستكون دون شك تلك اللحظة التي انتظر فيها الجمهور خروج فيروز لغناء <<حبيتك تنسيت النوم>> في الحفلة الاولى، فلم تخرج!! ثم فوجئ بها تطل بابتسامة مداعبة، لغناء ما كان لا يحلمون بغنائه اي... تلفن عياش!!!
ولم تكتف فيروز بهذا القدر المدوزن من جرعات طلتها الجديدة، فقد بدت مرحة، خفيفة الظل خلال ظهورها وعمدت بشكل مفاجئ لمعابثة <<البيانو>> بعد ان طالت داخل الاغنية نفسها مقطوعة التقاسيم، فما كان منها الا ان جلست على... أرض المسرح بانتظار انتهاء التقاسيم ثم هبت واقفة في نهايتها <<لتنغم>> بظرف وبطء في الميكرو: <<وأخيرا... تلفن عياش مثل ما كأنو.. ما تلفن>>!!.
اللحظة الثانية
أما لحظة <<الميلودي>> الثانية في العمل فلقد كانت حين <<إنفرد>> زياد والبيانو دون الاوركسترا والكورال بفيروز على المسرح في غناء <<صباح ومسا>> وحدهما. وهي أغنية جديدة لم تسجل بعد، قبلت فيروز غناءها دون أوركسترا، فقط مع زياد كما تمرنا عليها.. ولقد كان لهذه اللحظة فعل السحر في الجمهور، حيث بدت فيروز أقرب اليهم والى ما يحبونه فيها. وحين سهت عن بعض كلمات في الأغنية، ما كان منها الا ان <<ألّفت>> ما لا يكسر <<الرفران>> والمعنى الشديد العذوبة للأغنية.. محاولة، قابلها الجمهور بعاصفة من التصفيق واعتلاء الكراسي، <<وتوجت>> بهجوم شبابي على خشبة المسرح مما استدعى تدخل عناصر الأمن في المهرجان لردع <<مجانين الست>> خاصة أنهم كانوا قد <<افترسوا>> سياج الزهور على المسرح <<ونتفوه نتفا>> ليرموا بوروده على من بدت انها كل يوم تكسب من حيث لا يتوقع عرش مملكة الغناء المضنية..
هذا النجاح الساحق للحفلة الاولى، شجع فيروز على مزيد من الانطلاق على سجيتها، فارتاحت في اليوم التالي الى استعمال ذراعيها ووجهها في أداء منسجم مع مضمون الأغاني الجديدة، كما في وضعها ليديها على صدغيها ثم التطويح بالذراع دلالة نفاذ الصبر في أغنية <<ضاق خلقي يا صبي>> من اسطوانة <<مش كاين هيك تكون>>.
الفرقة ايضا كانت في سياق <<اللوك>> الجديد. هكذا بدا اختيار المايسترو الأرمني كارن دورغريان مناسبا نظرا لسنه الشاب ومهنيته العالية دون تشنج، لا بل ان الحركات التي أدار بها الفرقة بيد من حرير، كانت على دقتها ومهنيتها شديدة الظرف.. خاصة حين لبس <<ردنجوت>> المايسترو الطويل الذي جعله <<لنحوله>> وطوله أشبه بالفنان الخفيف الظل <<شرنو>>..
الكورال
أما الكورال الذي كان يظهر عادة مع فيروز بثياب وتسريحات صارمة ومتقشفة، فقد بدا مرحا وحيويا بصديريات الساتان اللامعة والشعور المفلوتة على حريتها..
هذه المرة كان الكورال اكبر من مرات سابقة كثيرة، فلقد ضُمّت اليه عناصر كانت تعمل متفرقة بين زياد وفيروز، خاصة بعد توقف مسرحيات الرحابنة.. هكذا كنت تسمع في الكواليس عبارات التفاجؤ برؤية اشخاص لم يتقابلوا منذ زمن بعيد: <<برجيس؟ والله ما عرفتك؟ شو؟ صار لي من <<ميس الريم>> ما شفتك يا زلمة!>> تقول مسؤولة الملابس بديعة لأحد أعضاء الكورال. اما الرجل الستيني الذي وصل الى باب الكواليس فلقد قال: <<أنا مدلج متموزيل.. ما عرفتوني؟ مدلج من جبال الصوان، انا والد فيروز بالمسرحية اللي بموت بالآخر.. ليش عم تحكوا كلكم فرنساوي؟ بدي شوف الست.. وين بديعة>>؟ وماذا عن زياد في كل ذلك؟ زياد الذي <<استنفر>> لوجود هذه الامكانيات الموسيقية والتنظيمية ورضى فيروز ملك يده، فأخذ يضع سلم أولويات لكسب أكثر ما يمكن الفوز به من هذه الفرصة المهنية.. ما جعله يسلم البروفات تقريبا الى المايسترو ليتفرغ هو لإنهاء مقطوعة موسيقية لم ينته منها الا بعد نهاية الحفل الثاني، <<ولو وقته يساع بتصير ما بتنذاع>> الا انها سوف تُعزف للمرة الاولى هذه الليلة. وهي مهداة الى أوجلان والثورة الكردية ومعنونة <<ديار بكر>>.. أما سبب اصراره على إنهائها، فقد كان رغبته بإعطائها فرصة ان تُعزف بهذه الأوركسترا الممتازة وان تُسجل بهذه الكفاءة العالية للهندسة الصوتية التي قام بها البريطاني ديريك زييبا يساعده برنار كرم.
بطقم وكرافات رُبطت فوق قميص لم تزرر كل أزراره العليا عند الرقبة بدا زياد الرحباني وحتى قبل النجاح الساحق للعرض الاول، سعيدا على استنفار. فالموسيقى التي ألّفها والتي يعتمد على فريق بكامله لإيصالها للجمهور وليس على شخص واحد، كانت بين أيد كفوءة اختارها بنفسه، مما قلل من حظوظ تدخل <<الغيب>> في مصير الحفل وبث التفاؤل والمرح في الكواليس. هذا المرح لم يغب عن المسرح، حين اعتلى زياد الخشبة ليعتذر عن التأخير بمباشرة الحفل: <<عادة بيقولولكم نعتذر للتأخير بسبب ظروف تقنية او فنية.. بس هيدا الشي مش مزبوط هالمرة لأنو الظروف التقنية اكثر من منيحة..>>.
اما حين ألح الجمهور في نهاية الحفل وبعد ان عادت فيروز أكثر من أربع مرات الى المسرح، بطلب أغنية وهو يصيح: <<زياد.. سلملي عليه.. سلملي عليه>>، فلقد رد الرحباني بقوله: <>.
هكذا كان الجمهور يتنبه دون ان ينسى الى وجود زياد على المسرح. زياد الذي بدا انه يريد التقليل من احتمالات سرقته للأضواء من الفرقة والنجمة والمايسترو.. فما كان منه الا ان اختار ناحية <<نائية>> من المسرح مع البيانو، وقد أدار تقريبا ظهره للجمهور.. أما حين كانت الحفلات تنتهي، فقد كان <<يتسلل>> قبل نهاية آخر مقطوعة الى الكواليس ثم الى غرفته بالفندق التي كان يتقاسمها مع مساعد مهندس الصوت، حيث كان ينتظر عودة الفريق التقني والموسيقي، للاستماع الى تسجيل الحفل الذي انتهى للتو من أجل تلافي أخطاء الحفل القادم..
هذا المرح وهذه النشوة انتقلت عدواهما الى الحضور، حتى الرسمي منه، فما كان من السفير البلغاري مثلا الا ان وقف مع <<زملائه>> المصورين أمام المسرح، لالتقاط صور ثم، <<تسلل>> مثلهم بعد انتهاء الفترة المسموحة لالتقاط المزيد والمزيد من الصور لفيروز.. مما اضطر المولجين بالنظام الى <<اقتياده>> بلطف ديبلوماسي الى مقعده!
مرح ايضا استخف المنظمين، فأقتدوا بنورا جنبلاط التي اختارت الوقوف بعيدا عن الصف الاول والأضواء المسلطة عليه مصفقة ومهيصة مع الجمهور.. في حين استخف الطرب المجهول الكلمات ببعض أعضاء الفرقة الارمنية مما جعل <<شاشان>> وهي عازفة كمان تدندن في الكواليس <<اي كلام>> مقلدة فيروز في مقطع: <<بس أنت.. أنت وبس>>... من الأغنية التي سحرت الجمهور في الحفلتين ببساطتها اي <<صباح ومسا>>...
معبودة الشبان
ومع ان الحفل الثاني كان مدموغا بحضور الملكة نور وبالتالي وجود اجراءات امنية، الا ان ذلك لم يمنع مجانين فيروز وعشاق زياد من الهجوم على المسرح. هجوم صُدّ عند نهاية المدرجات ولم ينجح باختراق المساحة الفاصلة عن خشبة المسرح مثل الليلة الاولى. الا ان ذلك لم يمنع الشبان الذين كانوا لافتين بأن أعمارهم لا تتجاوز العشرينات. من الصراخ بكل ما ملكت حناجرهم الفتية من قوة على معبودتهم التي بدت في عينيها نظرة تأثر وانفعال تشبه التماعة دمع الفرح.. خاصة ان المنظر كان يبدو من مكانها آسرا: في المقدمة جيل جديد من مجانينها يحاولون الوصول الى أقرب نقطة منها وهم يصرخون باسمها. أبعد منهم الجمهور بكامله يقف على الكراسي وقد أضاءت قداحات أكثر من خمسة آلاف شخص وهي تتمايل. وفي البعيد، اي خارج مدرجات المسرح، كانت تتناهى أصوات جمهور لم يستطع الدخول، فاحتشد على سطوح الابنية المطلة وعلى الطريق الموصلة الى القصر العتيق. الذي كان يمضي رئيس الجمهورية في المقلب الآخر منه صيفية.. <<عاجقة شوي>>..
©2000 جريدة السفير